الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
الجزء الأول قوله: (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبواب جمع باب، وهو حقيقة لما كان حسياً يدخل منه إلى غيره، ومجاز لعنوان جملة من المسائل المتناسبة. واعلم أنه قد جرت عادة أكثر المصنفين من الفقهاء أنهم يذكرون مقاصدهم بعنوان الكتاب والباب والفصل. فالكتاب عندهم عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعاً أو لم تشمل، فإن كان تحته أنواع فكل نوع يسمى بالباب، والأشخاص المندرجة تحت النوع تسمى بالفصول. وقال السيد نور الدين في فروق اللغات: الكتاب هو الجامع لمسائل متحدة في الجنس مختلفة في النوع، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في النوع مختلفة في الصنف، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في الصنف مختلفة في الشخص. انتهى. وهكذا جرت عادة أكثر المحدثين أنهم يذكرون الأحاديث والآثار في كتبهم على طريقة الفقهاء بعنوان الكتاب والباب. لكن الترمذي يذكر مكان الكتاب لفظ الأبواب. ولفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أبواب الطهارة وأبواب الصلاة وأبواب الزكاة، وهكذا، ثم يزيد بعد الأبواب مثلاً يقول: أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بعض العلماء في توجه هذه الزيادة ما لفظه: فائدة ذكره أي ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإشارة إلى أن الأحاديث الواردة فيها مرفوعات لا موقوفات، ذلك لأن قبل زمان الترمذي وطبقته كانت العادة أنهم كانوا يخلطون الأحاديث والآثار، كما يفصح عنه موطأ مالك ومغاازي موسى بن عقبة وغيرهما، ثم جاء البخاري والترمذي وأقرانهما فميزوا الأحاديث المرفوعة عن الآثار انتهى، والمراد من الطهارة الطهارة من الحدث والخبث وأصلها النظافة والنزاهة من كل عيب حسي أو معنوي، ومنه قوله تعالى "إنهم أناس يتطهرون" والطهارة لما كانت مفتاح الصلاة التي هي عماد الدين افتتح المؤلفون بها مؤلفاتهم.
قوله: (باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء وفتحها 1- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا أبُو عَوَانَة، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ ح. وحدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن إِسْرَائِيلَ، عن سِمَاكٍ، عن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ" قال هَنّادٌ فِي حَدِيثِهِ: "إلاّ بِطُهور". (قال أبو عيسى): هَذا الْحَدِيثُ أَصَحّ شَيْءٍ في هذا الباب وَأَحْسَنُ. وفِي الباب عن أَبِي المَلِيحِ، عن أَبِيهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَس. وَأَبُو المَلِيحِ ابْنُ أُسَامَةَ اسْمُهُ "عَامِرٌ"، ويقال: زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ بنِ عُمَيْرِ الهُذَلِيّ. قوله: (حدثنا قتيبة) بضم القاف وفتح المثناة الفوقانية (بن سعيد) الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، محدث خراسان ولد سنة 149 تسع وأربعين ومائة، وسمع من مالك والليث وابن لهيعة وشريك وطبقتهم، وعنه الجماعة سوى ابن ماجه، وكان ثقة عالماً صاحب حديث ورحلات، وكان غنياً متمولاً، قال ابن معين ثقة وقال النسائي ثقة مأمون مات سنة 240 أربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة. كذا في تذكرة الحفاظ (أبو عوانة) إسمه الوضاح بن عبد الله اليشكرى الواسطي البزاز أحد الأعلام روى عن قتادة وابن المنكدر وخلق، وعنه قتيبة ومسدد وخلائق، ثقة ثبت مات سنة 176 ست وسبعين ومائة. فائدة: قال النووي: جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها انتهى. قلت فينبغي للقارئ أن يقرأ هذا السند هكذا: قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا أبو عوانة، بذكر لفظ قال قبل حدثنا قتيبة وقبل أخبرنا أبو عوانة. (عن سِمَاك) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم (بن حرب) ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، صدوق وروايته. عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن، كذا في التقريب، وقال في الخلاصة: أحد الأعلام التابعين، عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير ثم عن علقمة بن وائل ومصعب ابن سعد وغيرهم، وعنه الأعمش وشعبة وإسرائيل وزائدة وأبو عوانة وخلق، قال ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أحمد أصح حديثاً من عبد الملك بن عمرو وثقه أبو حاتم وابن معين في رواية ابن أبي خيثمة وابن أبي مريم وقال أبو طالب عن أحمد مضطرب الحديث. قلت عن عكرمة فقط مات سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة انتهى (ح) اعلم أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الإنتقال من إسناد إلى إسناد ح وهي حاء مهملة مفردة، والمختار أنها مأخوذة من التحول، لتحوله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها ح ويستمر في قراءة ما بعدها، وقيل إنها من حال الشيء يحول إذا حجز لكونها حالت بين الإسنادين وأنه لا يلفظ عند الإنتهاء إليها بشيء وليست من الرواية، وقيل إنها رمز إلى قوله الحديث، وأن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها الحديث، قاله النووي (قال ونا هناد) أي قال أبو عيسى الترمذي، وحدثنا هناد وهو ابن السرى بن مصعب الحافظ القدوة الزاهد شيخ الكوفة أبو السرى التميمى الدارمى، روى عن أبي الأحوص سلام وشريك بن عبد الله وإسماعيل بن عياش وطبقتهم، وعنه الجماعة سوى البخاري وخلق، سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب بالكوفة، قال عليكم بهناد، قال قتيبة ما رأيت وكيعاً يعظم أحداً تعظيمه هناد، ثم يسأله عن الأهل. وقال النسائي ثقة توفي سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة وما تزوج قط ولا تسرى، وكان يقال له راهب الكوفة، وله مصنف كبير في الزهد. كذا في تذكرة الحفاظ. تنبيه: قال صاحب العرف الشذي ما لفظه: ربما تجد في كتب الصحاح وغيرها أنهم يبدؤن السند من الأول أي الأعلى بالعنعنة ثم في الأسفل بالإخبار والتحديث، لأن التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين فاحتاج المحدثون إلى التصريح بالسماع. انتهى. قلت قوله "التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين" مبني على غفلته عن أسماء الرجال، فقد كان التدليس في السلف وكان كثير من التابعين وأتباعهم مدلسين، وهذا أمر جلي عند من طالع كتب أسماء الرجال والكتب المؤلفة في المدلسين، ومن التابعين الذين كانوا موصوفين بالتدليس معروفين به: قتادة وأبو الزبير المكي وحميد الطويل وعمرو بن عبد الله السبيعي والزهري والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت الكوفي وابن جريج المكي وسليمان التيمي وسليمان بن مهران الأعمش ومحمد بن عجلان المدني وعبد الملك بن عمير القبطي الكوفي وعطية بن سعيد العوفي وغيرهم، فهؤلاء كلهم من التابعين موصفون بالتدليس. فقول هذا القائل: التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين باطل بلا مرية، بل الأمر بالعكس: قال الفاضل اللكنوي في ظفر الأماني ص 312: قال الحلبي في التبيين: التدليس بعد سنة ثلاثمائة يقل جداً، قال الحاكم لا أعرف في المتأخرين يذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي انتهى. تنبيه آخر: وقال هذا القائل: قال شعبة إن التدليس حرام والمدلس ساقط العدالة ومن ثم قالوا السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس وإن كان بالعنعنة انتهى. قلت: لم يقل أحد من أئمة الحديث أن السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس، بل قالوا إن شعبة لا يروى عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم، صرح به الحافظ في الفتح، وقال البيهقي في المعرفة: روينا عن شعبة قال كنت أتفقد فم قتادة فإذا قال ثنا وسمعت حفظته، وإذا قال حدث فلان تركته، وقال: روينا عن شعبة أنه قال كفتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق وقتادة، قال الحافظ في كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس بعد ذكر كلام البيهقي هذا ما لفظه: فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق أشعبة دلت على السماع، ولو كانت معنعنة انتهى. وأما القول بأن السند الذي فيه شعبة بريء من التدليس فلم يقل بهذا الإطلاق أحد. فتفكر (نا وكيع) هو ابن الحراح بن مليح الرواسي الكوفي محدث العراق ولد سنة تسع وعشرين ومائة، سمع هشام بن عروة والأعمش وابن عون وابن جريج وسفيان وخلائق، وعنه ابن المبارك مع تقدمه وأحمد وابن المديني ويحيى وإسحاق وزهير يونس بن أبي وأمم سواهم، وكان أبوه على بيت المال وأراد الرشيد أن يولي وكيعاً قضاء الكوفة فامتنع وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع توفى سنة 197 سبع وتسعين ومائة يوك عاشوراء، كذا في تذكرة الحفاظ، وقال الحافظ في التقريب ثقة حافظ. تنبيه: قال بعض الحنفية: إن وكيع بن الجراح كان يفتي بقول أبي حنيفة، وكان قد سمع منه شيئاً كثيراً انتهى. وزعم بعضهم أنه كان حنفياً يفتى بقول أبي حنيفة ويقلده. قلت: القول بأن وكيعاً كان حنفياً يقلد أبا حنيفة باطل جداً، ألا ترى أن الترمذي قال في جامعه هذا في باب إشعاء البدن: سمعت يوسف بن عيسى يقول سمعت وكيعاً يقول حين روى هذا الحديث (يعني حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد النعلين وأشعر الهدى) فقال: لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في الإشعار فإن الإشعار سنة، وقولهم بدعة، وسمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع فقال رجل ممن ينظر في الرأي أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة هو مثلة، قال الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثله. قال فرأيت وكيعاً غضب غضباً شديداً وقال أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم، ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا انتهى، فقول وكيع هذا من أوله إلى آخره ينادي بأعلى نداء أنه لم يكن مقلداً لأبي حنيفة، ولا لغير بل كان متبعاً للسنة منكراً أشد الإنكار على من يخالف السنة وعلى من يذكر عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر هو قول أحد من الناس مخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم، وأما من قال إن وكيعاً كان يفتي بقول أبي حنيفة فليس مراده أنه كان يفتي بقوله في جميع المسائل، بل مراده أنه كان يفتي بقوله في بعض المسائل ثم لم يكن إفتاؤه في بعضها تقليداً لإبي حنفية بل كان اجتهاد منه فوافق قوله فظن أنه كان يفتي بقوله، والدليل على هذا كله قول وكيع المذكور: ثم الظاهر أن المسألة التي يفتي فيها وكيع بقول أبي حنيفة هي شرب نبيذ الكوفيين، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمته: ما فيه إلا شربه لنبيذ الكوفيين وملازمته له، جاء ذلك من غير وجه عنه انتهى (عن إسرائيل هو ابن) يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، قال أحمد ثبت وقال أبو حاتم صدوق من أتقن أصحاب إسحاق، قال الحافظ في التقريب: ثقة تكلم فيه بلا حجة (عن مصعب بن سعد) ابن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من أوساط التابعين، أرسل عن عكرمة بن أبي جهل مات سنة 103 ثلاث ومائة (عن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس اتباعاً للأثر مات سنة 73 ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها. كذا في التقريب. قوله (لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل، قال النووي: قال جمهور أهل اللغة: يقال الطور والوضوء بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ويقال الطهور والوضوء بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به، هكذا نقله ابن الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة، وذهب الخليل والأصمعي وأبو حاتم السجستاني وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما. انتهى. والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازاً، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة. فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا، قاله ابن عمر، قال لأن الله تعالى قال "إنما يتقبل الله من المتقين" كذا في فتح الباري. والحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وأجمعت على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة، والحديث دليل على وجوب الطهارة لصلاة الجنازة أيضاً لأنها صلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من صلى على الجنازة" وقال "صلوا على صاحبكم" وقال "صلوا على النجاشي" قال الإمام البخاري: سماها صلاة وليس فيها ركوع ولا سجود ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم، وكان ابن عمر لا يصلي عليها إلا طاهراً انتهى. قال الحافظ ونقل ابن عبد البر الإتفاق على اشتراط الطهارة لها يعني لصلاة الجنازة إلا عن الشعبى، قال ووافقه إبراهيم بن علية، ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ. انتهى كلام الحافظ. قلت: والحق أن الطهارة شرط في صحة صلاة الجنازة ولا التفات إلى ما نقل عن الشعبي وغيره. فائدة: قال البخاري في صحيحه إذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم انتهى. قال الحافظ في الفتح: وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزيء لها التيمم لمن خاف فواتها يعني فوات صلاة الجنازة لو تشاغل بالوضوء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهرى والنخعي وربيعة والليث والكوفيين، وهي رواية عن أحمد، وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وإسناده ضعيف انتهى (ولا صدقة من غلول) بضم الغين، والغلول الخيانة، وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، قاله النووي، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الغلول الخيانة خفيفة، فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طهور في ذلك انتهى. قوله: (قال هناد في حديثه إلا بطهور) أي مكان بغير طهور، ومقصود الترمذي بهذا إظهار الفرق بين حديث قتيبة وحديث هناد فيقال قتيبة في حديثه لا تقبل صلاة بغير طهور، وقال هناد في حديثه لا تقبل صلاة إلا بطهور. قوله: (هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن) والحديث وأخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى، ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ لا صلاة لمن لا طهور له (وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس) أما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظه "لا يقبل الله صدقه من غلول ولا صلاة بغير طهور" والحديث سكت عند أبو داود ثم المنذري، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" الحديث، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه بلفظ لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول. قال الحافظ في التلخيص: وفي الباب عن والد أبي المليح وأبي هريرة وأنس وأبي بكرة وأبي بكر الصديق والزبير بن العوام وأبي سعيد الخدري وغيرهم. وقد أوضحت طرقه وألفاظه في الكلام على أوائل الترمذي انتهى. قلت: وفي الباب. أيضاً عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته وسعد بن عمارة، ذكر حديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد في باب فرض الوضوء مع الكلام عليها فمن شاء الوقوف عليها فليرجع إليه. تنبيهان: الأول: أن قول الترمذي هذا الحديث يعني حديث ابن عمر أصح شيء في هذا الباب فيه نظر، بل أصح شيء في هذا الباب هو حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه، فإنه متفق عليه. الثاني: قد جرت عادة الترمذي في هذا الجامع أنه يقول بعد ذكر أحاديث الأبواب: وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث بعينه بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب، قال الحافظ العراقي: وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى ممن الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثاً آخر يصح إيراده في ذلك الباب، وقد تقدم ما يتعلق به في المقدمة فتذكر. قوله (وأبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام (بن أسامة اسمه عامر) قال الحافظ في التقريب أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي، اسمه عامر، وقيل زيد وقيل زياد، ثقة من الثالثة.
قوله: باب ما جاء في فضل الطهور بضم الطاء، وقد تقدم قول أكثر أهل اللغة أنه يقال الطهور بالضم إذا أريد به الفعل ويقال بالفتح إذا أريد به الماء، والمراد هنا الفعل. 2- حدّثنا إسحاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ، حَدّثَنَا مَعْنُ بنُ عِيسَى القَزّازُ حَدّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عن أبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضّأَ الْعَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حَتّى يَخْرُجَ نَقِيّا مِنَ الذّنُوبِ". (قال أبو عيسى): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ حَدِيثُ مَالِكٍ، عن سُهَيْلٍ، عن أَبيه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَبُو صَالح: والِدُ سُهَيْلٍ هُوَ: أَبُو صالح السّمّانُ وَاسْمُهُ (ذَكْوَانُ). وَأَبُو هُرَيْرَةَ اخْتُلِفَ في اسْمِهِ، فَقَالُوا: عَبْدُ شَمْسٍ وَقَالُوا: عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ الأصَحّ. (قال أبو عيسى): وفي البابِ عَنْ عُثمَانَ (بْنِ عَفّانَ)، وَثَوْبَانَ، وَالصّنَابِحِي، وَعمْرو بْنِ عَبَسَةَ، وَسَلْمَانَ، وَعَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو. والصّنابِحِيّ الّذِي رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ: لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، واسْمُهُ (عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ) وَيُكْنَى (أبا عبد الله) رَحَلَ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقُبِضَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الطّرِيقِ. وَقَدْ رَوَى عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ. وَالصّنَابِحُ بْنُ الأَعْسَرِ الأَحْمَسِيّ صَاحِبُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: يُقَالَ لَهُ: الصّنَابِحِيّ أيضاً. وَإِنّمَا حَدِيثُهُ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ فَلاَ تَقْتَتِلُنّ بَعْدِي". قوله: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري) الخطمي المديني الفقيه الحافظ الثبت أبو موسى قاضي نيسابور، سمع سفيان بن عيينة وعبد السلام بن حرب ومعن بن عيسى وكان من أئمة الحديث صاحب سنة، ذكره أبو حاتم فأطنب في الثناء عليه، وقال النسائي ثقة، حدث عنه مسلم والترمذي والنسائي وآخرون، قيل إنه توفي بجوسية بليدة من أعمال حمص في سنة أربع وأربعين ومائتين. كذا في تذكرة الحفاظ. وقال في التقريب ثقة متقن. فائدة: قال الحافظ الذهبي في الميزان، إذا قال الترمذي ابن الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري. انتهى. قلت: الأمر كما قال الذهبي، لكن يقول الترمذي. الأنصاري لا ابن الأنصاري كما قال في باب ماء البحر أنه طهور: حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري قال حدثنا معن إلخ. وكما قال في باب التغليس بالفجر: حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس ح قال ونا الأنصاري نا معن إلخ ئم قال قال الأنصاري فمر النساء متلففات بمروطهن إلخ، فالحاصل أن الترمذي إذا قال في شيوخه الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري لا غير، فاحفظ فإنه نافع. تنبيه: قد غفل صاحب الطيب الشذى عما ذكرنا آنفاً من أن الترمذي إذا يقول الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصارى فلذلك قد وقع في مغلطة عظيمة وهي أنه قال في باب ماء البحر أنه طهور ما لفظه: قوله الأنصاري هو يحيى بن سعيد الأنصاري كما يظهر من تصريح الحافظ في التلخيص كما سيأتي في تصحيح الحديث انتهى. قلت العجب أنه من هذه الغفلة الشديدة كيف جوز أن الأنصاري هذا هو يحيى بن سعيد الأنصاري، والأنصاري هذا هو شيخ الترمذي فإنه قال: حدثنا الأنصاري، ويحيى ابن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، فبين الترمذي وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطايا فهل يمكن أن يقول الترمذي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، كلا ثم كلا ثم العجب على العجب أنه قال كما يظهر من تصريح الحافظ في التلخيص، ولم يصرح الحافظ في التلخيص أو الأنصاري هذا يحيى بن سعيد الأنصاري، ولا يظهر هذا من كلامه البتة، وقد وقع هو في هذا في مغلطة أخرى، والأصل أن الرجل إذا تكلم في غير فنه يأتي بمثل هذه العجائب. (نا معن بن عيسى) أبو يحي المدني القزاز الأشجعي مولاهم، أخذ عن ابن أبي ذئب ومعاوية بن صالح ومالك وطبقتهم، روى عنه ابن أبي خيثمة وهارون الجمال وخلق، قال أبو حاتم هو أحب إلى من ابن وهب وهو أثبت أصحاب مالك، توفي في شوال سنة 198 ثمان وتسعين ومائة، كذا في تذكرة الحفاظ، وقال في التقريب ثقة ثبت (نا مالك بن أنس) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين، تقدم ترجمته في المقدمة (عن سهيل بن أبي صالح) المدني صدوق تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقرونا وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور، كذا في التقريب، قلت قال الذهبي في الميزان: وقال غيره: أي ابن معين: إنما أخذ عنه مالك قبل التغير، وقال الحاكم روى له مسلم الكثير وأكثرها في الشواهد انتهى (عن أبيه) أي أبي صالح، واسمه ذكوان كما صرح به الترمذي في هذا الباب، قال الحافظ في التقريب: ذكوان أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة مات سنة 101 إحدى ومائة. تنبيه: اعلم أن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه ذكوان، وهذا ظاهر لمن له أدنى مناسبة بغن الحديث، وقد صرح به الترمذي في هذا الباب، وقد وقع صاحب الطيب الشذى ههنا في مغلطة عظيمة فظن أن أبا صالح والد سهيل هذا هو أبو صالح الذي اسمه مينا، حيث قال: قوله عن أبيه مولى ضباعة، لين الحديث من الثالثة، واسمه مينا بكسر الميم انتهى. والعجب كل العجب أنه كيف وقع في هذه المغلطة مع أن الترمذي قد صرح في هذا الباب بأن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان. ثم قد حكم الترمذي بأن هذا الحديث حسن صحيح، فكيف ظن أن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح الذي اسمه مينا وهو لين الحديث. قوله: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن) هذا شك من الراوي، وكذا قوله مع الماء أو مع قطر الماء، قاله النووي وغيره (فغسل وجهه) عطف على توضأ عطف تفسير، أو المراد إذا أراد الوضوء وهو الأوجه (خرجت من وجهه) جواب إذا (كل خطيئة نظر إليها) أي إلى الخطيئة يعني إلى سببها إطلاقاً لاسم المسبب على السبب مبالغة (بعينيه) قال الطيبي تأكيد (مع الماء) أي مع انفصاله (أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا) قيل أو لشك الراوي وقيل لأحد الأمرين والقطر إجراء الماء وإنزال قطره، كذا في المرقاة، قلت أو ههنا للشك لا لأحد الأمرين يدل عليه قوله أو نحو هذا، قال القاضي المراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي: قوله خرجت الخطايا يعني غفرت لأن الخطايا هي أفعال وأعراض لا تبقى فكيف توصف بدخول أو بخروج، ولكن الباريء لما أوقف المغفرة على الطهارة الكاملة في العضو ضرب لذلك مثلاً بالخروج انتهى، قال السيوطي في قوت المغتدى بعد نقل كلام ابن العربي هذا ما لفظه: بل الظاهر حمله على الحقيقة وذلك أن الخطايا تورث في الباطن والظاهر سواداً يطلع عليه أرباب الأحوال والمكاشفات والطهارة تزيله، وشاهد ذلك ما أخرجه المصنف والنسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قليه وذلك الران الذي ذكره الله في القرآن "كلا بل رران على قلوبهم ما كانو يكسبون" وأخرج أحمد وابن خزيمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من الجنة وكان أشد بياضاً من الثلج وإنما خطايا المشركين" قال السيوطى: فإذا أثرت الخطايا أثرت الخطايا في الحجر ففي جسد فاعلها أولى، فإما أن يقدر خرج من وجهه أثر خطيئه أو السواد الذي أحدثته. وإما أن يقال إن الخطيئة نفسها تتعلق بالبدن على أنها جسم لا عرض بناء على إثبات عالم المثال، وأن كل ما هو في هذا العالم عرض له صورة في عالم المثال، ولهذا صح عرض الأعراض على آدم عليه السلام ثم الملائكة وقيل لهم "أنبئوني بأسماء هؤلاء" وإلا فكيف يتصور عرض الأعراض لو لم يكن لها صورة تشخص بها، قال وقد حققت ذلك في تأليف مستقل وأشرت إليه في حاشيتي التي علقتها على تفسير البيضاوي، ومن شواهد في الخطايا ما أخرجه البيهقي في سنه عن اين عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقه فكلما ركع وسجد تساقطت عنه وإخرج البزار والطبراني عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه كلما سجد تحاتت عنه، انتهى كلام السيوطي. قلت لا شك في أن الظاهر هو حمله على الحقيقة وأما إثبات عالم المثال فعندى فيه نظر فتفكر. قوله: (بطشتها) أي أخذتها (حتى يخرج نقيا من الذنوب) قال ابن الملك: أي حتى يفرغ المتوضيء من وضوئه طاهراً من الذنوب، أي التي اكتسبها بهذه الأعضاء أو من جميع الذنوب من الصغائر وقيل حتى يخرج المتوضئ إلى الصلاة طاهراً من الذنوب، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: قوله حتى يخرج مترتب على تمام الوضوء لأن تقديره وهكذا باقي أعضاء الوضوء، كما يفيد رواية مسلم، فإذا غسل رجليه الحديث وروايات غيره انتهى. قلت الأمر كما قال السندي، فروى مالك والنسائي عن عبد الله الصنابحى مرفوعاً: إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له كذا في المشكاة قال الطيبي: فإن قيل ذكر لكل عضو ما يخص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك والوجه مشتمل على العين والأنف والأذن فلم خصت العين بالذكر؟ أجيب بأن العين طليعة القلب ورائده، فإذا ذكرت أغنت عن سائرها انتهى. قال ابن حجر المكي معترضاً على القلب ورائده، فإذا ذكرت أغنت عن سائرها انتهى. قال ابن حجر المكي معترضاً على الطيبي كون العين طليعة كما ذكره لا ينتج الجواب عن تخصيص خطيئتها بالمغفرة كما هو جلى، بل الذي يتجه في الجواب عن ذلك أن سبب التخصيص هو أن كلا من الفم والأنف والأذن له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه، فكانت متكفلة بإخراج خطاياه، بخلاف العين، فإنه ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه فخصت خطيئتها بالخروج عند غسله دون غيرها مما ذكر. ذكره القاري في المرقاة ص 46 ج 2 انتهى. قلت الأمر كما قال ابن حجر، يدل عليه رواية مالك والنسائي المذكورة، قال ابن العربي في العارضة: الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة كفارة لما بينهن ما أجتنبت الكبائر فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى، قال: وهذا التكفير إنما هو للذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه، وأما المتعلقة بحقوق الاَدميين فإنما يقع النظر فيها بالمقاصة مع الحسنات والسيئات. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم في صحيحه، وتقدم في المقدمة حد الحسن والصحيح مفصلا. (وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان) بشدة الميم أي بائع السمن وكان يجلب الزيت والسمن إلى الكوفة (واسمه ذكوان) المدني مولى جويرية الغطفانية، شهد الدار وحصار عثمان وسأل سعد بن أبي وقاص وسمع أبا هريرة وعائشة وعدة من الصحابة، وعند ابنه سهيل والأعمش وطائفة، ذكره أحمد فقال ثقة من أجل الناس وأوثقهم، قال الأعمش سمعت من أبي صالح ألف حديث توفي سنة إحدى ومائة. قوله: (وأبو هريرة اختلفوا في اسمه فقالوا عبد شمس وقالوا عبد الله بن عمرو وهكذا قال محمد بن إسماعيل وهذا الأصح) قال الحافظ ابن حجر في التقريب: أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن بن صخر وقيل ابن غنم إلى ذكر تسعة عشر قولاً ثم قال هذا الذي وقفنا عليه من الإختلاف، واختلف في أيها أرجح فذهب الأكثرون إلى الأول أي عبد الرحمن بن صخرو ذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر انتهى، وفي المرقاة شرح المشكاة: قال الحاكم أبو أحمد. أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر وغلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له، أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم لزمه وواظب عليه راغباً في العلم راضياً بشبع بطنه وكان يدور معه حيث ما دار، وقال البخاري روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل فمنهم اين عباس وابن عمرو وجابر وأنس، قيل سبب تلقيبه بذلك ما رواه ابن عبد البر عنه أنه قال: كنت أحمل يوماً هرة في كمى فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه؟ فقلت هرة، فقال يا أبا هريرة. انتهى ما في المرقاة، وذكر الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ أنه قال: كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنماً فوجدت أولاد هرة وحشية فلما أبصرهن وسمع أصواتهن أخبرته فقال أنت أبو هر، وكان اسمي عبد شمس. انتهى. قلت: روى الترمذي في هذا الكتاب في مناقب أبي هريرة بسند عن عبد الله بن أبي رافع قال: قلت لأبي هريرة لم كنيت أبا هريرة قال أما تفرق مني قلت بلى والله إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي وكانت لي هريرة صغيرة فكنت أضعها بالليل في شجرة فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة، هذا حديث حسن غريب. فائدة: اختلف في صرف أبي هريرة ومنعه، قال القاري في المرقاة. جر هريرة هو الأصل وصوبه جماعة لأنه جزء علم، واختار آخرون منع صرفه كما هو الشائع على ألسنة العلماء من المحدثين وغيرهم، لأن الكل صار كالكلمة الواحدة انتهى، قلت وقد صرح غير واحد من أهل العلم أن منعه من الصرف هو الجاري على ألسنة أهل الحديث فالراجح هو منعه من الصرف، وكان هو الجاري على ألسنة جميع شيوخنا غفر الله لهم وأدخلهم جنة الفردوس الأعلى، ويؤيد منع صرفه منع صرف ابن داية علماً للغراب، قال قيس بن ملوح المجنون. أقول وقد صاح ابن داية غدوة ببعد النوى لا أخطأتك الشبائك قال القاضي البيضاوي في تفسيره المسمى بأنوار التنزيل في تفسير قوله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} رمضان مصدر رمض إذا احترق فأضيف إليه الشهر وجعل علماً ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون كما منع داية في ابن داية علما للغراب للعلمية والتانيت انتهى. فائدة: قد تفوه بعض الفقهاء الحنفية بأن أبا هريرة لم يكن فقيهاً، وقولهم هذا باطل مردود عليهم، وقد صرح أجلة العلماء الحنفية بأن رضي الله عنه كان فقيهاً، قال صاحب السعاية شرح شرح الوقاية: وهو من العلماء الحنفية رداً على من قال منهم أن أبا هريرة كان غير فقيه، ما لفظه: كون أبي هريرة غير فقيه غير صحيح، بل الصحيح أنه من الفقهاء الذي كانوا يفتون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به ابن الهمام في تحرير الأصول وابن حجر في الإصابة في أحوال الصحابة انتهى. وفي بعض حواشي نور الأنوار أن أبا هريرة كان فقيها صرح به ابن الهمام في التحرير، كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض أجلة الصحابة كابن عباس فإنه قال إن عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الأجلين فرده أبو هريرة وأفتى بأن عدتها وضع الحمل، كذا قيل. انتهى. قلت: كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ: أبو هريرة الدوسي اليماني الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى. مع الجلالة والعبادة والتواضع. انتهى- وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين: ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم برك الإسلام وعصابة الإيمان وعسكر القرآن وجند الرحمن أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط: وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا، أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة... إلخ فلا شك في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيها من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى. فإن قيل: قد قال إبراهيم النخعي أيضاً إن أبا هريرة لم يكن فقيهاً، والنخعي من فقهاء التابعين. قلت: قد نقم على إبراهيم النخعي لقوله إن أبا هريرة لم يكن فقيهاً، قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمته: وكان لا يحكم العربية ربما لحن ونقموا عليه قوله لم يكن أبو هريرة فقيهاً. انتهى. عبرة: قال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي في بحث حديث المصراة المروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما: قال بعضهم هذا الحديث لا يقبل لأنه يرويه أبو هريرة وابن عمر ولم يكونا فقيهين، وإنما كانا صالحين فروايتهما إنما تقبل في المواعظ لا في الأحكام، وهذه جرأة على الله واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته وفقد نصرته ومن أَفقه من أبي هريرة وابن عمر؟ ومن أحفظ منهما خصوصاً من أبي هريرة وقد بسط رداءه وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره فما نسي شيئاً أبداً ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم، ولقد كنت في جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة، فأخبرني به بعض أصحابنا وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يوماً وذكر هذا الطعن في أبي هريرة فسقط من السقف حية عظيمة في وسط المسجد فأخذت في سمت المتكلم بالطعن ونفر الناس وارتفعوا وأخذت الحية تحت السواري فلم يدر أين ذهبت، فارعوى من بعد ذلك من الترسل في هذا القدح. انتهى. قوله: (وفي الباب عن عثمان وثوبان والصنابحى وعمر وبن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو) أما حديث عثمان: فأخرجه الشيخان بلفظ: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره. وأما حديث ثوبان فأخرجه مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي. وأما حديث الصنابحي فأخرجه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولا علة له والصنابحي صبحابي مشهور كذا في الترغيب للمنذري. وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه مسلم، وأما حديث سلمان فأخرجه البيهقي في شعب الإيمان بلفظ: إذا توضأ العبد تحاتت عنه ذنوبه كما تحات ورق هذه الشجرة. وأما حديث عبد الله بن عمرو فلم أقف عليه- وفي الباب عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سوى المذكورين ذكر أحاديثهم المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع الزوائذ. قوله: (والصنابحي هذا الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي) هذه العبارة ليست في النسخ المطبوعة، إنما هي في بعض النسخ القلمية الصحيحة، وحديث عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت خطاياه من فيه، الحديث. قال الحافظ ابن عبد، البر: قد اختلف على عطاء فيه، قال بعضهم عن عبد الله الصنابحي، وقال بعضهم في قوله عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد الله، كذا في إسعاف المبطأ (والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ويكنى أبا عبد الله) قال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن بن عسيلة بمهملة مصغراً المرادى أبو عبد الله الصنابحي ثقة من كبار التابعين قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام. مات في خلافة عبد الملك، انتهى (رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق) روى البخاري في صحيحه عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال: متى هاجرت؟ قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة فأقبل راكب فقلت له الخبر الخبر، فقال دفنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمس، قلت: هل سمعت في ليلة القدر شيئاً قال: أخبرني بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في السبع في العشر الأواخر (والصنابح بن الأعسر الأحمسى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الصنابحي أيضاً) قال الحافظ في التقريب: الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن الأعسر الأحمسى صحابي سكن الكوفة، ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم. انتهى (وإنما حديثه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني مكاثر بكم الأمم) قال في مجمع البحار: كاثرته أي غلبته وكنت أكثر منه، يعني إني أباهي بأكثرية أمتي على الأمم السالفة "فلا تقتتلن بعدي" بصيغة النهي المؤكد بنون التأكيد من الاقتتال، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: فإن قلت ما وجه تترتب قوله لا تقتتلن بعدي على المكاثرة؟ قلت وجهه أن الاقتتال موجب لقطع النسل إذا لا تناسل من الأموات فيؤدي إلى قلة الأمة فينافي المطلوب، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فإن قلت: المقتول ميت بأجله فلا وجه لقطع النسل بسبب الاقتتال قلت إما أن يقال إن الأقدام على الاقتتال مفض بقطع النسل فالنسل باعتبار فعلهم الإختياري أو يقال يكون لهم أجلان أجل على تقدير الاقتتال وأجل بدونه ويكون الثاني أطول من الأول وبالاقتتال يقصر الأجل فتقل الأمة، وهذه يرد عليه أن عند الله لا يكون إلا أجل واحد انتهى كلام أبي الطيب. وحديث الصنابحي هذا أخرجه أحمد في مسنده ص 351 ج 4 بألفاظ. تنبيه: اعلم أنه يفهم من كلام الترمذي المذكور أمران: أحدهما أن عبد الله الصنابحي الذي روى في فضل الطهور صحابي، والثاني أن عبد الله الصنابحي هذا غير الصنابحي الذي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة وكنيته أبو عبد الله، لكنه ليس هذان الأمران متفقا عليهما، بل في كل منهما اختلاف، قال الحافظ في التقريب: عبد الله الصنابحي مختلف في وجوده، فيقل صحابي مدني، وقيل هو أبو عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة، وقال ابن أبي حاتم في مراسيله عبد الله الصنابحي هم ثلاثة فالذي يروي عنه عطاء بن يسار هو عبد الله الصنابحي ولم تصح صحبته انتهى، وقال السيوطي في إسعاف المبطأ: عبد الله الصنابحي ويقال أبو عبد الله مختلف في صحبته، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعبادة بن الصامت، وعنه عطاء بن يسار، وقال البخاري وهم مالك في قوله عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال غير واحد، وقال يحيى بن معين: عبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون يشبه أن تكون له صحبة. انتهى.
قوله: (باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور) بضم الطاء المهملة. 3- حدّثنا قُتَيْبَةُ، وَ هَنّادٌ، و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، قَالُوا: حدثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ ح، وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (بنُ مَهْدِيٍ)، حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنُ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْحَنَفِيّةِ، عَنْ عَلِي عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِفْتَاحُ الصّلاَةِ الطّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التّسْلِيمُ". قال أبو عيسى: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ. وَعَبْدُ الله بنُ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ: هُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ تَكَلّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلَ حِفْظِهِ. (قال أبو عيسى): وَسَمِعْتُ مُحَمّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحُمَيْدِيّ: يَحتَجّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ. قَالَ مُحَمّدٌ: وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. (قال أبو عيسى): وَفِي الْبَابِ: عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. 4- حدّثنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمّدُ بْنُ زَنْجويْهِ الْبَغْدَادِيّ، وَغَيْرُ واحِدٍ، قَالَ: حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمّدٍ، حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى القَتّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الجنة الصلاة و مِفْتَاحُ الصّلاَةِ الْوُضُوءُ". قوله: (حدثنا هناد وقتيبة) تقدم ترجمتهما (ومحمود بن غيلان) العدوي مولاهم المروزي، أبو أحمد أحد أئمة الأثر، حدث عن سفيان بن عيينة والفضل بن موسى السيناني والوليد بن مسلم وأبي عوانة ووكيع وخلق، وعنه الجماعة سوى أبي داود، قال أحمد بن حنبل: أعرف بالحديث صاحب سنة، وقال النسائي ثقة، كذا في تذكرة الحفاظ توفي سنة 239 تسع وثلاثين ومائتين (قالوا نا وكيع) تقدم (عن سفيان) هو الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس مات سنة 161 إحدى وستين ومائة، ومولده سنة 77 سبع وسبعين كذا في التقريب والخلاصة، قلت: قال الحافظ في طبقات المدلسين: وهم أي المدلسون على مراتب: الأولى من لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بين سعيد الأنصاري، الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روي كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة انتهى. (وثنا بن بشار) لقبه بندار بضم الموحدة وسكون النون، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ بندار الحافظ الكبير الإمام محمد بن عثمان العبدي البصري النساج كان عالماً بحديث البصرة متقناً مجوداً لم يرحل براً بأمه ثم ارتحل بعدها، سمع معتمر بن سليمان وغندراً ويحيى بن سعيد وطبقتهم، حدث عنه الجماعة وخلق كثير، قال أبو حاتم صدوق، وقال العجلي ثقة كثير الحديث حائك، قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد له حدثنا إمام أهل زمانه في العلم والأخبار محمد بن بشار، قال الذهبي. لا عبرة بقول من ضعفه توفي سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين انتهى، وقال رجى في الخلاصة. قال النسائي لا بأس به، وقال الذهبي انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار، انتهى ما في الخلاصة (نا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم، أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ العلم عن عمر بن ذر وعكرمة بن عمار وشعبة والثوري ومالك وخلق، وعنه ابن المبارك وابن وهب أكبر منه، وأحمد وابن معين، قال ابن المديني: أعلم الناس بالحديث ابن مهدي، وقال أبو حاتم إمام ثقة أثبت من القطان وأتقن من وكيع، وقال أحمد إذا حدث ابن مهدي عن رجل فهو حجة، وقال القواريري أملي علينا ابن مهدي عشرين ألفاً من حفظه، قال ابن سعد مات سنة 198 ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاث وستين سنة، وكان يحج كل سنة كذا في الخلاصة (عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بفتح العين ابن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني عن أبيه وخاله محمد بن الحنفية وعنه ابن عجلان والسفيانان، وسيجيء كلام أئمة الحديث فيه (عن محمد بن الحنفية) هو محمد بن علي ابن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام المعروف بابن الحنفية، أمه خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها، روي عن أبيه وعثمان وغيرهما، وعنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وعمرو ابن دينار وخلق، قال إبراهيم بن الجنيد: لا نعلم أحد أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنيفة، مات سنة ثمانين كذا في الخلاصة، وقال في التقريب ثقة عالم من الثانية مات بعد الثمانين. قوله "مفتاح الصلاة الطهور" بالضم ويفتح، والمراد به المصدر، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحاً مجاز لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة، وكذلك مفتاح الجنة الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات، وركن الطاعات الصلاة، قاله ابن العربي. "وتحريمها التكبير" قال المظهري سمى الدخول في الصلاة تحريماً لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي، فلا يجوز الدخول في الصلاة إلا بالتكبير مقارناً به النية انتهى. قال القارى: وهو ركن عند الشافعي، وشرط عندنا، ثم المراد بالتكبير المذكور في الحديث وفي قوله تعالى {وربك فكبر} هو التعظيم، وهو أعم من خصوص الله أكبر وغيره مما أفاده التعظيم، والثابت ببعض الأخبار اللفظ المخصوص فيجب العمل به حتى يكره لمن يحسنه تركه، كما قلنا في القراءة مع الفاتحة وفي الركوع والسجود مع التعديل كذا في الكافي، قال ابن الهمام وهذا يفيد وجوبه ظاهراً وهو مقتضى المواظبة التي لم تقترن بترك، فينبغي أن يعول على هذا انتهى ما في المرقاة. قال ابن العربي: قوله تحريمها التكبير يقتضي أن تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود، خلافاً لسعيد والزهري فإنهما يقولان إن الإحرام يكون بالنية. وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من صفات تعظيم الله تعالى وجلاله، وهو تخصيص لعموم قوله "وذكر اسم ربه فصلى" فخص التكبير بالسنة من الذكر المطلق في القرآن لا سيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله، فكان يكبر صلى الله عليه وسلم ويقول الله أكبر، وقال أبو حنيفة يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لعموم القرآن، وقد بينا أنه متعلق ضعيف، وقال الشافعي يجوز بقولك الله الأكبر وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير أما الشافعي فأشار إلى أن الألف واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى، وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من اللفظ الذي هو التكبير، قلنا لأبي يوسف إن كان لم يخرج عن اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج عن اللفظ الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول، وذلك لا يجوز في العبارات التي يتطرق إليها التعليل، وبهذا يرد على الشافعي أيضاً: فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى شيء من المعنى، قال: قال علماؤنا قوله تحريمها التكبير يقتضي اختصاص التكبير بالصلاة دون غيره من اللفظ لأنه ذكره بالألف واللام الذي هو باب شأنه التعريف كالإضافة، وحقيقة الألف واللام إيجاب الحكم لما ذكر ونفيه عما لم يذكر وسلبه عنه، وعبر عنه بعضهم بأنه الحصر، قال وقوله تحليلها التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة على التسليم دون غيره من سائر الأفعال المناقضة للصلاة خلافاً لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل وقول يضاد كالحدث ونحوه- حملا على السلام وقياساً عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر انتهى كلام ابن العربي ملخصاً. قال لحافظ ابن القيم في إغلام الموقعين: المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر، وقوله تحريمها التكبير، وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة، ويقول الله أكبر وهي نصوص في غاية الصحة، فردت بالمتشابه من قوله تعالى "وذكر اسم ربه فصلى" انتهى. "وتحليلها التسليم" التحليل جعل الشيء المحرم حلال، وسمى التسليم به لتحليل ما كان حراماً على المصلي لخروجه عن الصلاة وهو واجب، قال ابن الملك: إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما، وقال بعضهم أي سبب كون الصلاة محرمة ما ليس منها التكبير ومحللة التسليم أي إنها صارت بهما كذلك، فهما مصدران مضافان إلى الفاعل، كذا في المرقاة وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية: كأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعاً من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك، ولهذا سميت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة وقال قوله تحليلها التسليم أي صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم عليه بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراماً عليه انتهى. قال الرافعي: وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ "وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم". قوله: (هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن) هذا الحديث أخرجه أيضاً الشافعي وأحمد والبزار وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الحاكم وابن السكن من حديث عبد اللهبن محمد بن عقيلة عن ابن الحنفية عن علي، قال البزار. لا يعلم عن علي إلا من هذا الوجه، وقال أبو نعيم تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي، وقال العقيلي في إسناده لين وهو أصلح من حديث جابر كذا في التلخيص. وقال الزيلعي في نصب الراية: قال النووي في الخلاصة هو حديث حسن. انتهى (وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه) قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث، وقال ابن خزيمة لا يحتج به، وقال ابن حبان رديء الحفظ يجيء بالحديث على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره، وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالمتين عندهم، وقال أبو زرعة يختلف عنه في الأسانيد، وقال الفسوى في حديثه ضعف، وهو صدوق، كذا في الميزان (وسمعت محمد ابن إسماعيل) يعني البخاري (يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد وهو مقارب الحديث) هذا من ألفاظ التعديل، وتقدم تحقيقه في المقدمة، قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن محمد ابن عقيل بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: حديثه في مرتبة الحسن انتهى، فالراجح المعول عليه هو أن حديث على المذكور حسن يصلح للاحتجاج، وفي الباب أحاديث أخرى كلها يشهد له. قوله: (وفي الباب عن جابر وأبي سعيد) أما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار والترمذي والطبراني من حديث سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه، وأبو يحيى القتات ضعيف، وقال ابن عدي أحاديثه عندي حسان، وقال ابن العربي: حديث جابر أصح شيء في هذا الباب، كذا قال وقد عكس ذلك العقيلي وهو أقعد منه بهذا الفن. كذا في التلخيص، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي إسناده أبو سفيان طريف وهو ضعيف، قال الترمذي حديث على أجود إسنادا من هذا كذا في التلخيص. قلت: قد أخرج الترمذي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة في باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها، وقال بعد إخراجه حديث علي بن أبي طالب أجود إسنادا وأصح من حديث أبي سعيد انتهى- وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن زيد وابن عباس وغيرهما، ذكر أحاديثهم الترمذي ابن حجر في التلخيص والحافظ الزيلعي في نصب الراية.
قوله (باب ما يقول إذا دخل الخلاء) بفتح الخاء والمد أي موضع قضاء الحاجة سمى به لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة، وهو الكنيف والحش والمرفق والمرفق والمرحاض أيضاً، وأصله المكان الخالي ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك، قاله العيني. 5- حدّثنا قُتَيْبَةُ وَ هَنّادٌ، قالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال: كانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ، قالَ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ- قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ قَالَ مَرّةً أُخْرَى: أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالْخَبِيْثِ. أَوِ: الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ". (قال أبو عيسى): وفي البابِ عَنْ عَلِيّ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ. وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ: رَوَى هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: (فَقَالَ سَعِيدٌ): عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشّيْبَانِيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَقَالَ هِشَامٌ (الدّسْتَوَائِيّ): عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ: فَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ. عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، (عَنْ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم). (قال أبو عيسى: سأَلْتُ مُحَمّداً عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: يُحْتَملُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَميعاً). 6- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ البَصْرِيّ، حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: "اللّهُمّ إني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ". (قال أبو عيسى): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قوله: (حدثنا قتيبة وهناد قالا نا وكيع) تقدم تراجم هؤلاء (عن شعبة) بن الحجاج ابن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابداً كذا في التقريب. وقال أحمد بن حنبل كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال وبصره بالحديث، وقال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق، ولد شعبة سنة 82 ثنتين وثمانين، ومات 160 ستين ومائة. كذا في تذكرة الحفاظ (عبد العزيز بن صهيب) البناني، بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري عن أنس وشهر، وعنه شعبة والحمادان، وثقه أحمد، قال ابن قانع مات سنة 130 ثلاثين ومائة (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين صحابي مشهور مات سنة 92، 93 اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة. قوله: (إذا دخل الخلاء) أي موضع قضاء الحاجة، وفي الأدب المفرد للبخاري من طريق سعيد بن زيد عن عبد العزيز عن أنس، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء. وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء، أي كان يقول هذا الذكر عنه إرادة الدخول لا بعده، قال الحافظ في الفتح: الكلام ههنا في مقامين. الأول: هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن، أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلاً في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة. المقام الثاني: متى يقول ذلك. فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل، أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقول قبيل دخولها وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلاً، وهذا مذهب الجمهور، وقالوا في من نسي يستعيذ. بقلبه لا بلسانه، ومن يجيز مطلقاً لا يحتاج إلى تفصيل. انتهى كلام الحافظ. قلت: القول الراجح المنصور هوما ذهب إليه الجمهور (قال اللهم إني أعوذ بك) أي ألوذ والتجيء، قال ابن الأثير: عذت به عوذاً ومعاذاً، أي لجأت إليه والمعاذ المصدر والمكان الزمان (قال شعبة وقد قال) أي عبد العزيز (مرة أخرى أعوذ بالله) أي مكان اللهم أني أعوذ بك، يعني قال عبد العزيز مرة اللهم: إني أعوذ بك وقال مرة أخرى أعوذ بالله، قال العيني في عمدة القاري: وقد وقع في رواية وهب: فليتعوذ بالله، وهو يشمل كل ما يأتي به من أنواع الاستعاذة من قوله أعوذ بك أستعيذ بك أعوذ بالله أستعيذ بالله اللهم إني أعوذ بك ونحو ذلك من أشباه ذلك، انتهى: قلت: والأولى أن يختار من أنواع الاستعاذة ما جاء في الحديث، وقد ثبت زيادة بسم الله مع التعوذ، فروى العمري حديث الباب بلفظ إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث، قال الحافظ في الفتح: إسناده على شرط مسلم (من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث) قال الحافظ في فتح الباري: وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك: الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع، أي من الشيء المكروه، ومن الشيء المذموم أو من ذكران الشياطين وإنائهم انتهى كلام الحافظ. قلت: وجاء في رواية صحيح البخاري وعامة الروايات: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، من غير شك، قال الحافظ تحت هذه الرواية: الخبث بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية، وقال الخطابي أنه لا يجوز غيره، وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه، ككتب وكتب، قال النووي: وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة، منهم أبو عبيدة إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشبه بالمصدر. والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، يريد ذكر أن الشياطين وإناثهم، قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما. ووقع في نسخة ابن عساكر: قال أبو عبد الله أي البخاري: ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة، فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه، وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي المكروه، قال: فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر. وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب، ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره إلى آخر ما نقلت عباراته آنفا. قوله: (وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود) أما حديث علي فأخرجه الترمذي وابن ماجه، وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه أبو داود ابن ماجه، وأما حديث جابر فلم أقف عليه، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الاسماعيلي في معجمه، قال العيني، بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث. قوله: (وحديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن) وأخرجه الشيخان وغيرهما. قوله: (وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب) يعني روى بعض رواته على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له (روى هشام الدستوائي إلخ) هذا بيان الإضطراب، والدستوائي منسوب إلى دستواء بفتح الدال كورة من الأهواز أو قرية، كذا في المغنى، وتوضيح الإضطراب على ما في غاية المقصود للعلامة أبي الطيب غفر الله له: أن هشاماً وسعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمراً كلهم يروون عن قتادة على اختلاف بينهم. فروى سعيد عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم. وروى هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم، فبين قتادة وزيد بن أرقم واسطة القاسم في رواية سعيد، وليست هي في رواية هشام. وروى شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس، ثم اختلف فروى شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، وروى معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فالإضطراب في موضعين. الأول في شيخ قتادة ففي رواية سعيد أن قتادة يرويه عن القاسم عن زيد بن أرقم، وفي رواية هشام أنه يرويه عن زيد بن أرقم، وفي رواية شعبة أنه يرويه عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم. والثاني: في شيخ النضر بن أنس، ففي رواية شعبة أن النضر يرويه عن زيد بن أرقم وفي رواية معمر أنه يرويه عن أبيه. انتهى ما في غاية المقصود (قال أبو عيسى: سألت محمداً) يعني البخاري (عن هذا) أي عن هذا الإضطراب (فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً) قال العلامة أبو الطيب في غاية المقصود: أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس، كما صرح به البيهقي. وأخطأ من أرجع الضمير من محشى الترمذي إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس انتهى. قلت: الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق، وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس فخطأ، قال العلامة العيني في عمدة القاري شرح البخاري: قال الترمذي حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواية فيه، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيبابي والنضر بن أنس عن أنس ولم يقض فيه بشيء. انتهى كلام العيني. وروى أبو داود في سننه حديث زيد بن أرقم هكذا: حدثنا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ، قال السيوطي: قوله أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس إلخ قال البيهقي في سننه هكذا: رواه معمر عن قتادة وابن علية وأبو الجماهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، ورواه يزيد بن زريع وجماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد ابن أرقم، قال أبو عيسى: قلت لمحمد يعني البخاري أي الروايات عندكم أصح؟ فقال: لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد بن أرقم ولم يقض في هذا بشيء، وقال البيهقي: وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس وهو وهم: انتهى فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب. تنبيه: قول البخاري المذكور في كلام العيني "لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس" مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ "لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد بن أرقم والظاهر عندي أن لفظ عن أنس المذكور في كلام العيني سهو من الناسخ فتأمل". فإن قلت لا يندفع الإضطراب من كل وجه بقول البخاري، فيحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً. قلت نعم. إلا أن يقال إن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم، وروى عن زيد ابن أرقم من غير واسطة، وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرح به البيهقي، والله تعالى أعلم. قوله: (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي) أبو عبد الله البصري، عن حماد بن زيد وأبي عوانة وعبد الواحد بن زياد وخلق، وعنه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وثقة أبو حاتم والنسائي مات سنة 245 خمس وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة، وقال الذهبي في الميزان وقال ابن خراش تكلم الناس فيه فلم يصدق ابن خراش في قوله هذا، فالرجل حجة انتهى (نا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري الحافظ مولى جرير بن حازم وأحد الأعلام عن أنس بن سيرين وثابت وعاصم بن بهدلة وابن واسع وأيوب وخلق كثير، وعنه الثوري وابن مهدى وابن المديني وخلائق، قال ابن مهدي ما رأيت أحفظ منه ولا أعلم بالسنة ولا أفقه بالبصرة منه، توفي سنة 197 سبع وتسعين ومائة عن إحدى وثمانين سنة، كذا في الخلاصة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه. : (قال اللهم) معنا يا الله (إني أعوذ بك) قال ابن العربي ألجأ وألوذ والعوذ بإسكان العين والعياذ والمعاذ والملجأ ما سكنت إليه تقية عن محذور، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من الشيطان حتى من الموكل به بشرط استعاذته منه، ومع ذلك فقد كان اللعين يعرض له ليلة الإسراء فدفعه بالاستعاذة، وعرض له في الصلاة فشد وثاقه ثم أطلقه وكان يخص الاستعاذة في هذا الموضع بوجهين. أحدهما: إنه خلاء وللشيطان بعادة الله قدرة تسلط في الخلاء ليس له في الملاء، قال صلى الله عليه وسلم "الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب". الثاني: إنه موضع قذر ينزه ذكر الله عن الجريان فيه على اللسان فيغتنم الشيطان عند ذكر الله فإن ذكره يطرده، فلجأ إلى الاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج، وليعلم أمته انتهى كلامه. وقال الحافظ في الفتح كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهار للعبودية ويجهر بها للتعليم انتهى، (من الخبث) بضم الخاء المعجمة والموحدة جميع خبيث أي ذكران الشياطين (والخبائث) جمع خبيثة أي إناث الشياطين. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
قوله: (با باب ما يقول إذا خرج من الخلاء). 7- حدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ". (قال أبو عيسى): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ: (عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيّ). وَلاَ نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إلا حَدِيثَ (عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم). قوله: (حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل) كذا في النسخ المطبوعة في الهند، وإني لم أجد في كتب الرجال رجلاً اسمه محمد بن حميد بن إسماعيل من شيوخ الترمذي، وفي النسخة المصرية حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا حميد قال حدثنا مالك بن إسماعيل إلخ، وإني لم أجد في كتب الرجال رجلاً اسمه حميد وهو من تلامذة مالك بن إسماعيل ومن شيوخ محمد بن إسماعيل فتفكر وتأمل، وقال بعضهم: لعل لفظ حميد ههنا زائد في كلتا النسختين والصحيح هكذا: حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا مالك بن إسماعيل، ويدل على ذلك ما قال في الذر الغالي شرح إرشاد المتجلي بعد ما ذكر رواية أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال غفرانك قال عقب ذلك، وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد، وعنه رواه الترمذي عن عائشة، وأورد رواية عائشة هذه بهذا المتن والسند، وقال في ابتداء السند: حدثنا مالك بن إسماعيل، فظهر من هذا ومن النسخة المصرية أن الترمذي روى هذا الحديث عن محمد إسماعيل أعني البخاري دون محمد بن حميد انتهى كلامه بلفظه، (نا مالك بن إسماعيل) ابن درهم النهدي مولاهم، أبو غسان الكوفي الحافظ، روى عن إسرائيل وأسباط بن النصر والحسن بن صالح وخلق وعنه البخاري والباقون بواسطة، قال ابن معين: ليس بالكوفة أتقن منه، وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الحديث من العابدين مات سنة 219 تسع عشرة ومائتين كذا في الخلاصة، وقال في التقريب: ثقة متقن صحيح الكتاب عابد من صغار التاسعة انتهى. (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، قال أحمد ثقة ثبت وقال أبو حاتم: صدوق من أتقن أصحاب أبي إسحاق ولد سنة 100 مائة ومات سنة 162 اثنتين وستين ومائة. (عن يوسف بن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري الكوفي، روى عن أبيه وعنه إسرائيل وسعيد بن مسروق، وثقة ابن حيان كذا في الخلاصة، وقال الحافظ مقبول (عن أبيه) أي أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة، قال في الخلاصة: أبو بردة بن أبي موسى الأشعري الفقيه قاضي الكوفة اسمه الحارث أو عامر، عن علي والزبير وحذيفة وطائفة، وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وخلق، وثقة غير واحد توفي 103 ثلاث ومائة. قوله: (إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) إما مفعول به منصوب بفعل مقدر أي أسألك غفرانك أو أطلب، أو مفعول مطلق أي أغفر غفرانك، وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج بهذا الدعاء وجهان: أحدهما: أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فأنه يذكر الله تعالى في سائر حالاته إلا عند الحاجة. وثانيهما: أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج، فلجأ إلى الاستغفار اعترافاً بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم، كذا في المرقاة. قلت: الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، رواه ابن ماجه قال القاضي أبو بكر بن العربي: سأل المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة، ثم قال فإن قيل إنما تركه بأمر ربه فكيف يسأل المغفرة عن فعل كان يأمر الله؟ والجواب أن الترك وإن كان بأمر الله إلا أنه من قبل نفسه وهو الاحتياج إلى الخلاء انتهى. فإن قيل: قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما معنى سؤاله المغفرة؟ يقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب المغفرة من ربه قبل أن يعلمه أنه قد غفر له، وكان يسألها بعد ذلك لأنه غفر له بشرط استغفاره، ورفع إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة والكل له حاصل بفضل الله تعالى، قاله ابن العربي. قوله: (هذا حديث غريب حسن) قال القاضي الشوكاني في نيل الأوطار: هذا الحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم وأبو حاتم، قال في البدر المنير: ورواه الدارمي وصححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى. (ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة) قال النووي في شرح المهذب: وهو حديث حسن صحيح، وجاء في الذي يقال، عقب الخروج من الخلاء أحاديث كثيرة ليس فيها شيء ثابت إلا حديث عائشة المذكور، قال: وهذا مراد الترمذي بقوله: "ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة" كذا في قوت المغتذى، وقال العيني في شرح البخاري بعد ذكر حديث عائشة المذكور: أخرجه ابن حبان وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم في صحيحهم، وقال أبو حاتم الرازي هو أصح شيء في هذا الباب. فإن قلت لما أخرجه الترمذي وأبو علي الطرطوسي قالا هذا حديث غريب حسن لا يعرف إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة. قلت: قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه ويمكن أن تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث، إذ الغرابة والحسن في المتن لا يجتمعان، فإن قلت: غرابة السند بتفرد إسرائيل غرابة المتن لكونه لا يعرف غيره قلت: إسرائيل متفق على إخراج حديثه عند الشيخين، والثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لا ينقص عن درجة الحسن، وإن لم يرتق إلى درجة الصحة، وقولهما لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ليس كذلك، فإن فيه أحاديث وإن كانت ضعيفة: منها: حديث أنس رضي الله عنه رواه ابن ماجه: قال كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمدلله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. ومنها حديث أبي ذر مثله، وأخرجه النسائي. ومنها حديث ابن عباس، أخرجه الدارقطني مرفوعاً: الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك على ما ينفعني. ومنها حديث سهل بن خيثمة نحوه، وذكره ابن الجوزي في العلل. ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً أخرجه الدارقطني: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى على قوته وأذهب عني أذاه. انتهى كلام العيني. قلت: المراد بقول الترمذي غريب من جهة السند، فإنه قال لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، ولا منافاة بين أن يكون الحديث غريباً من جهة السند وبين أن يكون حسناً أو صحيحاً كما تقرر في مقره، فقول العلامة العيني قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه مردود عليه. وأما قوله الترمذي لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، فقد عرفت ما هو المراد منه.
قوله (باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول) 8- حدثنا سعِيدُ بَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عن الزهري عَنْ عَطَاء بنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ، عَنْ أَبي أَيّوبَ الأنْصَارِيّ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْل، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلكِنْ شَرّقُوا أَوْ غَرّبوا"، فَقَالَ ابو أَيّوبَ: فَقَدِمْنَا الشّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ: فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ الله. (قال أبو عيسى): وَفِي الْبَابِ: عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ بن جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ، وَمَعْقِلِ بن أَبي الْهَيْثَمِ وَيُقَالُ مَعْقِلُ بنُ أَبي مَعْقِلٍ، وَأَبي أُمَامَةَ، وَأَبي هُرَيْرَةَ، وَسَهْلِ بن حنَيْف. (قال أبو عيسى): حَدِيثُ أَيّوبَ أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا الْبَابِ وَأَصَحّ. وَأَبُو أَيّوبَ اسْمُهُ (خَالِدُ بنُ زَيْدٍ) وَالزّهْرِيّ اسْمُهُ (مُحَمّدُ بنُ مُسْلِم بن عُبَيْدِ الله بن شِهَابٍ الزّهْرِيّ (وكنيته) (أَبُو بَكْرٍ). قالَ أَبُو الْوَليدِ المَكّيّ: قالَ أبو عَبْدِ الله: (مُحَمّدُ بنُ إِدْرِيسَ) الشّافعِيّ: إِنّماَ مَعْنَى قَوْلِ النّبِي صلى الله عليه وسلم "لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بِبَوْلٍ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا": إِنّمَا هذَا فِي الْفَيَافِي، وَأَمّا فِي الْكُنُفِ المَبْنِيّةِ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا. وَهَكَذَا قالَ إِسحقُ (بن إِبْرَاهيم). وَقَالَ أَحْمُدُ بنُ حَنْبَلٍ (رحمه الله): إِنّمَا الرّخْصَةُ مِن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَمّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَلاَ يَسْتَقْبِلُهَا. كَأَنّهُ لَمْ يَرَ في الصّحْرَاءِ وَلاَ فِي الْكُنُفِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ. قوله: (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي) ابن حسان المكي القرشي روى عن ابن عيينة والحسين بن زيد العلوى، وعنه الترمذي والنسائي ووثقه، مات سنة 249 تسع وأربعين ومائتين. (أنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بآخر، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن الزهرى) يأتي اسمه وترجمته في هذا الباب (عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام، ثقة من الثالثة (عن أبي أيوب الأنصاري) يأتي اسمه وترجمته. قوله: (إذا أتيتم الغائط) أي في موضع قضاء الحاجة، والغائط في الأصل المطمئن من الأرض، ثم صار يطلق على كل مكان أعد لقضاء الحاجة، وعلى النجو نفسه، أي الخارج من الدبر، قال الخطابي أصله المطمئن من الأرض كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لذكره بخاص اسمه، ومن عادة العرب التعفف في ألفاظها واستعمال الكناية في كلامها وصون الألسنة عما تصان الأبصار والأسماع عنه (فلا تستقبلوا القبلة) أي جهة الكعبة (بغائط ولا بول) الباء متعلقة بمحذوف وهو حال من ضمير لا تستقبلوا أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو بول، قال السيوطي: قال أهل اللغة أصل الغائط المكان المطمئن كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لاسمه، قال. وقد اجتمع الأمران في الحديث، فالمراد بالغائط في أوله المكان وفي آخره الخارج، قال ابن العربي: غلب هذا الاسم على الحاجة حتى صار فيها أعرف منه في مكانها، وهو أحد قسمي المجاز انتهى كلام السيوطي (ولكن شرقوا أو غربوا) أي توجهوا إلى جهة المشرق أو المغرب، هذا خطاب لأهل المدينة ومن قبلته على ذلك السمت ممن هو في جهة الشمال والجنوب فأما من قبلته الغرب أو الشرق فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال، كذا في المجمع وشرح السنة (فوجدنا مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم، وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان، أي التغوط قاله النووي، وقال ابن العربي المراحيض واحدها مرحاض مفعال من رحض إذا غسل يقال ثوب رحيض أي غسيل، والرحضاء عرق الحمى والرحضة إناء يتوضأ به انتهى. (فننحرف عنها) أي عن جهة القبلة قاله القسطلاني (ونستغفر الله) قال ابن العربي يحتمل ثلاثة وجوه: الأول أن يستغفر الله من الاستقبال الثاني أن يستغفر الله من ذنوبه، فالذنب يذكر بالذنب، الثالث أن نستغفر الله لمن بناها فإن الاستغفار للمذنبين سنة، وقال ابن دقيق العيد: قوله ونستغفر الله قيل يراد به لباني الكنيف على هذه الصورة الممنوعة، عنده وإنما حملهم على هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعاً فلا يحتاج إلى الاستغفار والأقرب أنه استغفار لنفسه، ولعل ذلك لأنه استقبل واستدبر بسبب موافقته لمقتضى النهي غلطاً أو سهواً فيتذكر فينحرف ويستغفر الله، فإن قلت فالغالط والساهي لم يفعلا إثما فلا حاجة به إلى الاستغفار، قلت أهل الورع والمناصب العلية في التقوى قد يفعلون مثل هذا بناء على نسبتهم التقصير إلى أنفسهم في عدم التحفظ ابتداء. انتهى كلام ابن دقيق العيد. قال صاحب بذل المجهود. يعني كنا نجلس مستقبلي القبلة نسيانا على وفق بناء المراحيض، ثم ننتبه على تلك الهيئة المكروهة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى عنها وتأويل الاستغفار لباني الكنف بعيد غاية البعد، قال: وكان بناؤها من الكفار وبعيد غاية البعد أن يكون بناؤها من المسلمين مستقبلي القبلة انتهى. قلت: يمكن أن يكون بناؤها من بعض المسلمين الذين كان مذهبهم جواز استقبال القبلة واستدبارها في الكنف والمراحيض كما هو مذهب الجمهور، فليس فيه بعد غاية البعد والله تعالى أعلم، ثم القول بأن المراد كنا نجلس مستقبلي القبلة نسياناً إلخ فيه أن النسيان يكون مرة أو مرتين، ولفظ كنا ننحرف كما في رواية على الاستمرار والتكرار فتفكر. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى)، صحابي شهد فتح مصر واختطبها دارا مات سنة 86 ست وثمانين بمصر، وهو آخر من مات بها من الصحابة (ومعقل بن أبي الهيثم ويقال معقل بن أبي معقل) ويقال أيضاً معقل بن أم معقل وكله واحد، يعد في أهل المدينة، روى عنه أبو سلمة وأبو زيد مولاه وأم معقل توفي في أيام معاوية رضي الله عنه قاله ابن الأثير، وقال الحافظ: له ولأبيه صحبة (وأبي أمامة وأبي هريرة رضي الله عنه وسهل بن حنيف) أما حديث عبد الله بن الحارث فأخرجه ابن ماجه وابن حبان قاله الحافظ، وأما حديث معقل فأخرجه أبو داود وابن ماجه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم في صحيحه مرفوعاً بلفظ: إذا جلس أحدكم على حاجة فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها: وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارمي، وأما حديث سهل ابن حنيف فأخرجه الدارمي. قوله: (حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد) قال الحافظ في التقريب: خالد بن زيد ابن كليب الأنصاري أبو أيوب من كبار الصحابة، شهد بدرا ونزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عليه، مات غازيا بالروم سنة 50 خمسين وقيل بعدها انتهى. (والزهري اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وكنيته أبو بكر) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، كذا في التقريب، وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام، قال الليث: ما رأيت عالماً قط أجمع من ابن شهاب، وقال مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وتقيا، ما له في الناس نظير، مات سنة 124 أربع وعشرين ومائة انتهى. قوله: (قال أبو الوليد المكي) هو موسى بن أبي الجارود المكي أبو الوليد صاحب الشافعي، عن ابن عيينة والبوطي وجماعة، وعنه الترمذي وثقة ابن حبان كذا في الخلاصة (قال أبو عبد الله الشافعي) هو الإمام الشافعي أحد الأئمة المشهورين اسمه محمد ابن إدريس وتقدم ترجمته في المقدمة (إنما هذا في الفيافي) على وزن الصحارى ومعناه، واحدها الفيفاء بمعنى الصحراء (فأما في الكنف المبنية) جمع كنيف أي البيوت المتخذة لقضاء الحاجة (له رخصة في أن يستقبلها) جزاء أما أي فجائز له أن يستقبل القبلة فيها (وهكذا قال إسحاق) هو إسحاق بن راهوية، ثقة حافظ مجتهد قرين الإمام أحمد بن حنبل تقدم ترجمته في المقدمة فمذهب الشافعي وإسحاق أن استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول حرام في الصحراء وجائز في البنيان ففرقا بين الصحراء والبنيان قال الحافظ في الفتح: وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقاً، قال الجمهور: وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة انتهى (وقال أحمد بن حنبل) هو الإمام أحمد بن محمد بن جنبل أحد الأئمة الأربعة المشهورين، تقدم ترجمته في المقدمة (إنما الرخصة إلخ) حاصل قوله أنه لا يجوز الاستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما، وعن الإمام أحمد في هذا روايتان إحداهما هذه التي ذكرها الترمذي. والرواية الثانية عنه كقوله الشافعي وإسحاق المذكور وعنه رواية ثالثة كما ستعرف. اعلم أن الترمذي ذكر في هذا الباب قولين، قول الشافعي وقول أحمد بن حنبل وههنا أربعة أقوال فلنا أن نذكرها مع بيان ما لها وما عليها: قال النووي في شرح مسلم: قد اختلف العلماء في النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط على مذاهب: الأول مذهب مالك والشافعي: أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ولا يحرم ذلك بالبنيان، وهذا مروي عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي وإسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين. والمذهب الثاني: أنه لا يجوز ذلك لا في الصحراء ولا في البنيان، وهو قول أبي أيوب الأنصاري الصحابي ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي ثور وأحمد في رواية. والمذهب الثالث: جواز ذلك في الصحراء والبنيان جميعاً وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعه شيخ مالك وداود الظاهري. والمذهب الرابع: لا يجوز له الاستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد. واحتج المانعون مطلقاً بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقاً كحديث سلمان وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم. واحتج من أباح مطلقاً بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب: يعني في صحيح مسلم: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلاً بيت القدس مستدبراً القبلة وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوقد فعلوها حولوا مقعدي إلى القبلة رواه أحمد وابن ماجه وإسناده حسن. واحتج من أباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان يعني الذي رواه مسلم بلفظ: لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين. الحديث. واحتج من حرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث من عمر وبحديث عائشة المذكورين وبحديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وإسناده حسن، وبحديث مروان الأصغر قال رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس بيول إليها، فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن ذلك فقال بلى إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود وغيره. فهذه أحاديث صحيحة صريحة بالجواز بين البنيان، وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي، فتحمل على الصحراء ليجمع بين الأحاديث. ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها، بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه، فوجب المصبر إليه. انتهى كلام النووي بتلخيص. قلت: رجح النووي مذهب مالك والشافعي وغيرهما، ورجحه أيضاً الحافظ ابن حجر حيث قال: هو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة. وعندي: أولى الأقوال وأقواها دليلاً هو قول من قال إنه لا يجوز ذلك مطلقاً لا في البنيان ولا في الصحراء فإن القانون الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب لأمته هو قوله لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وهو بإطلاقه شامل للبنيان والصحراء، ولم يغيره صلى الله عليه وسلم في حق أمته لا مطلقاً ولا من وجه. فأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم إلخ الذي ذكره النووي وقال إسناده حسن. فهو حديث ضعيف منكر لا يصلح للاحتجاج، قال الحافظ الذهبي في الميزان: خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة حولوا مقعدتي نحو القبلة أو قد فعلوها لا يكاد يعرف، تفرد عنه خالد الحذاء، وهذا حديث منكر، فتارة رواه الحذاء عن عراك وتارة يقول عن رجل عن عراك، وقد روى عن خالد بن أبي الصلت سفيان بن حصين ومبارك بن فضالة وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات، وما علمت أحدا يعرض إلى لينه، لكنه الخبر منكر انتهى. وقال البخاري: خالد بن أبي الصلت عن عراك مرسل، كذا في التهذيب، وقال ابن حزم في المحلى إنه ساقط لأن راويه خالد الحذاء وهو ثقة عن خالد ابن أبي الصلت وهو مجهول لا ندري من هو، وأخطأ فيه عبد الرزاق فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن الصلت وهذا أبطل وأبطل، لأن خالداً الحذاء لم يدرك كثير بن الصلت انتهى. ولو صح هذا الحديث لما كانت فيه حجة على تغيير ذلك القانون ونسخة. لأن نصه صلى الله عليه وسلم يبين أنه إنما كان قبل النهي، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط ثم ينكر عليهم طاعته، في ذلك وهذا مالا يظنه مسلم، ولا ذو عقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، فلو صح لكان منسوخاً بلا شك. وأما حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها. فهو أيضاً ليس بدليل على نسخ ذلك القانون، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: في الاحتجاج به نظر، لأنها حكاية فعل لا عموم لها، فيحتمل أن يكون لعذر ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه انتهى وقال القاضي الشوكاني في النيل: إن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا، كما تقرر في الأصول انتهى. وأما حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلاً بيت المقدس مستدبراً القبلة. فهو أيضاً لا يدل على نسخ ذلك القانون لما مر في حديث جابر آنفاً. وأما حديث مروان الأصغر فهو أيضاً لا يدل على نسخ ذلك القانون، لأن قول ابن عمر فيه إنما نهى عن ذلك في الفضاء، يحتمل أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه قال ذلك استنادا إلى الفعل الذي شاهده ورواه، فكأنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة مستدبراً القبلة فهم اختصاص النهي بالبنيان، فلا يكون هذا الفهم حجة، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. فالحاصل: أن أولى الأقوال وأقواها عندي- والله أعلم- هو قول من قال إنه لا يجوز الاستقبال والاستدبار مطلقاً، قال القاضي الشوكاني في النيل: الإنصاف الحكم بالمنع مطلقاً، والجزم بالتحريم، حتى ينتهض دليل يصلح للنسخ أو التخصيص أو المعارضة ولم نقف على شيء من ذلك انتهى، وقال ابن العربي في شرح الترمذي: والمختار- والله الموفق- أنه لا يجوز الاستقبال ولا الاستدبار في الصحراء ولا في البنيان، لأنا إن نظرنا إلى المعاني فقد بينا أن الحرمة للقبلة، ولا يختلف في البادية ولا في الصحراء، وإن نظرنا إلى الآثار فإن حديث أبي أيوب عام في كل موضع معلل بحرمة القبلة، وحديث ابن عمر لا يعارضه ولا حديث جابر لأربعة أوجه: أحدهما: أنه قول وهذان فعلان ولا معارضة بين القول والفعل. الثاني: أن الفعل لاصيغة له، وإنما هو حكاية حال، وحكايات الأحوال معرضة للأعذار والأسباب، والأقوال لا محتمل فيها من ذلك. الثالث: أن القول شرع مبتدأ وفعله عادة، والشرع مقدم، على العادة. الرابع: أن هذا الفعل لو كان شرعا لما تستر به، انتهى. وقد قال ابن العربي قبل هذا: اختلف في تعليل المنع في الصحراء، فقيل ذلك لحرمة المصلين، وقيل ذلك لحرمة القبلة، ولكن جاز في الحواضر للضرورة، والتعليل بحرمة القبلة أولى لخمسة أوجه. أحدها: أن الوجه الأول قاله الشعبي، فلا يلزم الرجوع إليه. الثاني: أنه إخبار عن مغيب، فلا يثبت إلا عن الشارع. الثالث: أنه لو كان لحرمة المصلين لما جاز التغريب والتشريق أيضاً، لأن العورة لا تخفي معه أيضاً عن المصلين، وهذا يعرف باختبار المعاينة. الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم إنما علل بحرمة القبلة، فروي أنه قال: من جلس لبول قبالة القبلة، فذكر فانحرف عنها إجلالاً لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له، أخرجه البزار. الخامس: أن ظاهر الأحاديث يقتضي أن الحرمة إنما هي للقبلة، لقوله. لا تستقبلوا القبلة، فذكرها بلفظها فأضاف الاحترام لها انتهى. قلت: الظاهر أن الحرمة إنما هي للقبلة والله تعالى أعلم، ولو صح حديث البزار الذي ذكره ابن العربي لكان قاطعاً في ذلك لكن لم نقف على سنده، فالله أعلم بحال إسناده.
قوله (باب ما جاء من الرخصة في ذلك) أي في استقبال القبلة بغائط أو بول 9- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَ مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حَدّثَنَا أَبي، عن مُحَمّدِ بْنِ إِسْحَقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: "نَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا". وَفِي الْبَابِ: عَنْ أَبي قَتَادَةَ، وَ عَائِشَةَ، وَ عَمّارِ (بْنِ يَاسِرٍ). (قال أبو عيسى): حَدِيثُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 10- وَقَد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابرٍ عَنْ أَبي قَتَادَةَ: "أَنّهُ رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم يَبُولُ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ". حَدّثَنَا بِذَلِكَ قُتَيْبَةَ قالَ حدثنا ابْنُ لَهِيعَة. وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أَصحّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ عنْدَ أَهْلِ الْحَديثِ. ضَعّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ وَغَيْرُهُ (مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ). 11- حدّثنا هَنّادٌ، حَدّثَنَا عَبْدَةُ (بْنُ سُلَيمْانَ)، عَنْ عُبَيْد الله بن عمَرَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ عَمّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبّانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِل الشّأْمِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ". (قال أبو عيسى): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قوله: (حدثنا محمد بن بشار) هو بندار الحافظ، ثقة (ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبي موسى البصري المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت من العاشرة وكان هو وبندار فرسى رهان وماتا في سنة واحدة كذا في التقريب، روى عن معتمر وابن عيينة، وغندر وخلق، وعنه الأئمة الستة وخلق، قال محمد بن يحيى حجة مات سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين، كذا في الخلاصة (قالا نا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي البصرى، ثقة عن أبيه وابن عون وشعبة وخلق، وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ووثقه، مات سنة 206 ست ومائتين (نا أبي) جرير بن حازم ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، مات سنة 170 سبعين ومائة بعد ما اختلط، لكن لم يحدث في حال اختلاطه، كذا في التقريب (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني، نزيل العراق، إمام المغازي، صدوق يدلس ورمى بالتشيع والقدر مات سنة 150 خمسين ومائة، ويقال بعدها، كذا في التقريب وقال في القول المسدد: وأما حمله أي ابن الجوزي على محمد بن إسحاق فلا طائل فيه، فإن الأئمة قبلوا حديثه، وأكثر ما عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين، وأما هو في نفسه فصدوق، وهو حجة في المغازي عند الجمهور انتهى. قلت الأمر كما قال الحافظ، فالحق أن محمد بن إسحاق في نفسه صدوق صالح للاحتجاج وقد اعترف به العيني وابن الهمام من الأئمة الحنفية، قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري: ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور. انتهى، وقال ابن الهمام في فتح القدير: أما ابن إسحاق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك، ولا عند محققي المحدثين، انتهى. تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: اختلف أهل الجرح والتعديل في ابن إسحاق ما لم يختلف في غيره، حتى إنه قال مالك بن أنس: إن قمت بين الحجر الأسود وباب الكعبة لحلفت أنه دجال كذاب، وقال البخاري: إنه إمام الحديث، وقال ابن الهمام إنه ثقة ثلاث مرات، وقال حافظ الدنيا إنه ثقة وفي حفظه شيء، وإما البيهقي فيتكلم فيه في كتابه الأسماء والصفات، واعتمده في كتاب القراءة خلف الإمام، فالعجب، وعندي أنه من رواة الحسان، كما في الميزان، ويمكن أن يكون في حفظه شيء انتهى كلامه بلفظه. قلت: جروح من جرح في ابن إسحاق كلها مدفوعة، والحق أنه ثقة قابل للاحتجاج قال الفاضل اللكنوي في إمام الكلام: محمد بن إسحاق وإن كان متكلماً فيه من جانب كثير من الأئمة لكن جروحهم لها محامل صحيحة، وقد عارضها تعديل جمع من ثقات الأمة، ولذا صرح جمع من النقاد بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن، بل صححه بعض أهل الإسناد، وقال في السعاية. والحق في ابن إسحاق هو التوثيق. انتهى. وقال ابن الهمام في فتح القدير: (وهو أي توثيق ابن إسحاق) هو الحق الأبلج، وما نقل عن مالك يقبله أهل العلم، كيف وقد قال شعبة فيه. هو أمير المؤمنين في الحديث. وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن عليه وعبد الوارث وابن المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث، غفر الله لهم. إلى أن قال. وإن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية. انتهى كلام ابن الهمام. فأما قول صاحب العرف الشذي. وأما البيهقي إلى قوله فالعجب، فلم يذكر ما تكلم به في الأسماء والصفات في ابن إسحاق حتى ينظر فيه أنه هو قابل للعجب أم لا، ولو سلم أنه قابل للعجب فصنيع العيني أعجب فإنه يتكلم في ابن إسحاق ويجرحه إذا وقع هو في إسناد حديث يخالف مذهب الحنفية، ويوثقه ويعتمده إذا وقع في إسناد حديث يوافق مذهبهم. ألا ترى أنه قال في البناية في تضعيف حديث عبادة في القراءة خلف الإمام ما لفظه. في حديث عبادة محمد بن إسحق بن يسار وهو مدلس، قال النووي ليس فيه إلا التدليس قلت المدلس: إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين مع أنه كذبه مالك وضعفه أحمد، وقال لا يصح الحديث عنه، وقال أبو زرعة الرازي لا يصح الحديث عنه، وقال أبو زرعة الرازي لا يقضي له بشيء. انتهى كلامه. فانظر كيف تكلم العيني في ابن إسحاق ههنا. وقال في عمدة القاري. في تصحيح حديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ومن أشار في الصلاة إشارة تفهم عنه فليعدها: ما لفظه: إسناد هذا الحديث صحيح وتعليل ابن الجوزي بابن إسحاق ليس بشيء، لأن ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور. انتهى كلام العيني. فانظر ههنا كيف اعتمد علي ابن إسحاق ولم يبال بتدليسه أيضاً، مع أنه روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة بعن، وكذلك صنيعة في عدة مواضع من كتابه. فاعتبرو يا أولى الأبصار: (عن أبان بن صالح) وثقة الأئمة ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، قاله الحافظ في التقريب (عن مجاهد) هو ابن جبر: بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من أوساط التابعين، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون (عن جابر) هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام، بمهملة وراء، الأنصاري ثم السلمى بفتحتين، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين. قوله: (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار في الصحراء والبنيان، وجعله ناسخاً لأحاديث المنع، وفيه ما سلف من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر. قوله: (وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار) أما حديث أبي قتادة: فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث عائشة: فأخرجه أحمد وقد تقدم لفظه وأما حديث عمار فأخرجه الطبراني في الكبير: قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي لغائط أو بول. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه جعفر بن الزبير، وقد أجمعوا على ضعفه. قوله: (حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب) قال في المنتقى: رواه الخمسة إلا النسائي انتهى. قال في النيل. وأخرجه أيضاً البزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وحسنه الترمذي، ونقل عن البخاري تصحيحه حسنه أيضاً ابن السكن، وتوقف فيه النووي لعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وغيره، وضعفه ابن عبد البر بأبان بن صالح القرشي، قال الحافظ ووهم في ذلك فإنه ثقة بالإتفاق، وادعى ابن حزم أنه مجهول فغلط انتهى. قوله: (وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة) هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء، ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، كذا قال الحافظ في التقريب. ويجييء باقي الكلام عليه عند كلام. الترمذي عليه (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء، الأسدي المكي صدوق إلا أنه يدلس، كذا في التقريب، قلت هو من رجال الكتب الستة (عن أبي قتادة) الأنصاري المدني، شهد أحد وما بعدها ولم يصح شهوده بدراً مات سنة 54 أربع وخمسين. قوله: (وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره) قال يحي بن معين: ليس بالقوى، وقال مسلم تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي. كذا في الخلاصة وقال أطال الحافظ الذهبي الكلام في ترجمته في ميزان الإعتدال. قلت ومع ضعفه فهو مدلس أيضاً كما عرفت، وكان يدلس عن الضعفاء. قال الحافظ في طبقات المدلسين عبد الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر اختلط في آخر عمره، وكثر عنه المناكير في روايته، وقال ابن حبان كان صالحاً ولكنه كان يدلس عن الضعفاء، انتهى. قوله: (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي، عن هشام بن عروة والأعمش وطائفة، وعنه أحمد وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق، وثقه أحمد وابن سعد والعجلي، مات سنة 187 سبع وثمانين ومائة (عن عبد الله بن عمر) ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، أحد الفقهاء السبعة، والعلماء الأثبات، قال النسائي ثقة ثبت، مات سنة 147 سبع وأربعين ومائة (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ابن منقذ الأنصاري المدني ثقة فقيه وثقة ابن معين والنسائي وغيرهما مات سنة 121 إحدى وعشرين ومائة (عن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الوحدة. ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني. صحابي ابن صحابي. ثقة من كبار التابعين. قاله الحافظ. قوله: (رقيت) أي علوت وصعدت (على بيت حفصة) هي أخت ابن عمر قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: قوله على بيت حفصة وقع في رواية: على ظهر بيت لنا وفي أخرى ظهر بيتنا وكلها في الصحيح. وفي رواية لابن خزيمة: دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت، وطريق الجمع أن يقال: أضاف البيت إليه على سبيل المجاز، لكونها أخته وأضافه إلى حفصة لأنه البيت الذي أسكنها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أضافه إلى نفسه باعتبار ما آل إليه حاله لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونه شقيقها انتهى. (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار ورأى أنه ناسخ واعتقد الإباحة مطلقاً وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحارى ومن خص المنع بالاستقبال دون الاستدبار في الصحارى والبنيان، وقد عرفت ما فيه من أنها حكاية فعل لا عموم لها، فيحتمل أن يكون لعذر وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة، قاله الشوكاني في النيل.
|